لغتنا أمانة
أؤمن على الدوام بان لكل زمان دولته ورجاله
؛ الذين يسعون سعيه ، فيُروى بعدهم أنه كان زمانهم ، وإن كان أسلافنا قد أثلوا مجد
لغتنا أدبا وتدوينًا ، فإنه إن لم نستطع أن نحذو حذوهم فعلى الأقل لا ينبغي أن
نهدم ما أفنوا فيه أعمارهم من جهود المحافظة على تلكم اللغة التي سادت بسيادة
الإسلام في كتابه ، ولن تفنى لضعف أهلها أبدًا
.
فهذه اللغة التي لها ثمانية وعشرون جارحة
إنما تستمد حركتها في ألسنتنا لفظًا وفي مكتوباتنا العربية رسمًا - مهما أصابها
ركود أبنائها وشللهم الفكري - تستمد تلك الحركة من كتاب الله العزيز ، الذي بحفظ
الله إلى قيام الساعة يعني حفظه للغته، وكل هذه الأمور هي مسلمات لا جدال
فيها ، وهو أقرب ما يكون من دروب الخبر التي يراد بها الإنشاء - بنظرة أعمق .
وهذا يعني أن يصير واجبًا على أبناء اللغة
أن يؤدوا أدوارهم - علماء أولًا ومتعلمين ثانيًا - انطلاقًا من مسئولياتهم التي
يحاسبون على التقصير فيها ، وأوجه التقصير في حق اللغة كثيرة ؛ فالابتعاد عن ساحات
العلوم والاختراعات سهام مصوبة - لا شك - في صدر اللغة ؛ لأنها تفتح الباب للغات
الأخرى في مسميات المخترعات وكتابات البحوث العلمية المختلفة ، كذلك ما نشهده من
انجراف العرب إلى إنشاء صفحاتهم على المواقع المختلفة بأسماء عربية المنطق أعجمية
اللفظ في مشهد أقل ما يقال فيه أنه انفصام أو عطب فكري ، ومن وجوه التقصير كذلك أن
ترى في شوارعنا أسماء المحلات والمتاجر والإعلانات وقد رسمت بحروف غير عربية لا
لعيب في لغتنا وإنما لأنها المباهاة بمعرفة اللغات ، لكنني أقول : من عرف لغات غير
لغته فما عليه أن يعلي عليها وإنما يعليها ؛ لأنه هكذا يكون الحب الذي تتحرك به
الأفعال .
ولسنا بصدد النظر في جرائم أبناء اللغة في
حقها ، وإنما ندفع بعضنا ونستحث أفكارنا على السير بنا جميعًا نحو الإعلاء من شأن
لغتنا ؛ كُلٌّ في مجال اختصاصه ، وذلك لأنه إن ضاعت اللغة التي هي لساننا ضاعت
هويتنا وانصهرت ألسنتنا في بواتق لا تَمِيزُ فيها الطيب من الخبيث ؛ فاللغة اللغة
أيها المقصرون .
وإذا كان علماء الدين يُفتون بتعلم اللغة
فرضًا على الكفاية ، فإن زماننا الآن يكشف نقصًا حادًا في أولئك الذين يقومون بدور
الكفاية عن غيرهم ، كما يكشف لك جرائمهم في حق اللغة ؛ مما يأخذنا حتمًا إلى
الانتقال بالقول إلى أن تعلم اللغة قد صار واجبًا على الجميع دونما استثناء .
تعليقات